الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه وهي ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فما روى جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: (قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالشفعة فيما لم يقسم, فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) متفق عليه ولمسلم قال: (قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة, أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك, فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به) وللبخاري: (إنما جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق, فلا شفعة) وأما الإجماع فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط والمعنى في ذلك أن أحد الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه, وتمكن من بيعه لشريكه وتخليصه مما كان بصدده من توقع الخلاص والاستخلاص فالذي يقتضيه حسن العشرة, أن يبيعه منه ليصل إلى غرضه من بيع نصيبه وتخليص شريكه من الضرر, فإذا لم يفعل ذلك وباعه لأجنبي سلط الشرع الشريك على صرف ذلك إلى نفسه ولا نعلم أحدا خالف هذا إلا الأصم, فإنه قال: لا تثبت الشفعة لأن في ذلك إضرارا بأرباب الأملاك فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه لم يبتعه, ويتقاعد الشريك عن الشراء فيستضر المالك وهذا ليس بشيء لمخالفته الآثار الثابتة والإجماع المنعقد قبله والجواب عما ذكره من وجهين أحدهما أنا نشاهد الشركاء يبيعون, ولا يعدم من يشتري منهم غير شركائهم ولم يمنعهم استحقاق الشفعة من الشراء الثاني أنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم, فيسقط استحقاق الشفعة واشتقاق الشفعة من الشفع وهو الزوج, فإن الشفيع كان نصيبه منفردا في ملكه فبالشفعة يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به وقيل: اشتقاقها من الزيادة لأن الشفيع يزيد المبيع في ملكه. قال أبو القاسم [ولا يجب الشفعة إلا للشريك المقاسم فإذا وقعت الحدود, وصرفت الطرق فلا شفعة]. وجملة ذلك أن الشفعة تثبت على خلاف الأصل إذ هي انتزاع ملك المشتري بغير رضاء منه, وإجبار له على المعاوضة مع ما ذكره الأصم لكن أثبتها الشرع لمصلحة راجحة, فلا تثبت إلا بشروط أربعة: أحدها أن يكون الملك مشاعا غير مقسوم فأما الجار فلا شفعة له وبه قال عمر, وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب, وسليمان بن يسار والزهري ويحيى الأنصاري, وأبو الزناد وربيعة والمغيرة بن عبد الرحمن, ومالك والأوزاعي والشافعي, وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر, وقال ابن شبرمة والثوري وابن أبي ليلى, وأصحاب الرأي: الشفعة بالشركة ثم بالشركة في الطريق ثم بالجوار, وقال أبو حنيفة: يقدم الشريك فإن لم يكن وكان الطريق مشتركا, كدرب لا ينفذ تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب, فإن لم يأخذوا ثبتت للملاصق من درب آخر خاصة وقال العنبري وسوار: تثبت بالشركة في المال, وبالشركة في الطريق واحتجوا بما روى أبو رافع قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الجار أحق بصقبه) رواه البخاري وأبو داود وروى الحسن عن سمرة, أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (جار الدار أحق بالدار) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وروى الترمذي في حديث جابر: (الجار أحق بداره بشفعته ينتظر به إذا كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) وقال حديث حسن ولأنه اتصال ملك يدوم ويتأبد فتثبت الشفعة به, كالشركة ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود, وصرفت الطرق فلا شفعة) وروى ابن جريج عن الزهري, عن سعيد بن المسيب أو عن أبي سلمة أو عنهما, قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها) رواه أبو داود ولأن الشفعة ثبتت في موضع الوفاق على خلاف الأصل, لمعنى معدوم في محل النزاع فلا تثبت فيه وبيان انتفاء المعنى, هو أن الشريك ربما دخل عليه شريك فيتأذى به فتدعوه الحاجة إلى مقاسمته أو يطلب الداخل المقاسمة, فيدخل الضرر على الشريك بنقص قيمة ملكه وما يحتاج إلى إحداثه من المرافق وهذا لا يوجد في المقسوم فأما حديث أبي رافع, فليس بصريح في الشفعة فإن الصقب القرب يقال بالسين والصاد قال الشاعر: كوفية نازح محلتها ** لا أمم دارها ولا صقب فيحتمل أنه أراد بإحسان جاره وصلته وعيادته ونحو ذلك وخبرنا صريح صحيح فيقدم, وبقية الأحاديث في أسانيدها مقال فحديث سمرة يرويه عنه الحسن ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة قاله أصحاب الحديث قال ابن المنذر: الثابت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث جابر الذي رويناه, وما عداه من الأحاديث فيها مقال على أنه يحتمل أنه أراد بالجار الشريك فإنه جار أيضا ويسمى كل واحد من الزوجين جارا قال الشاعر: أجارتنا بينى فإنك طالقه ** كذاك أمور الناس غاد وطارقه قاله الأعشى وتسمى الضرتان جارتين لاشتراكهما في الزوج قال حمل بن مالك: كنت بين جارتين لي, فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها وهذا يمكن في تأويل حديث أبي رافع أيضا إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الطريق مفردة أو مشتركة قال أحمد, في رواية ابن القاسم في رجل له أرض تشرب هي وأرض غيره من نهر واحد: ولا شفعة له من أجل الشرب إذا وقعت الحدود فلا شفعة وقال, في رواية أبي طالب وعبد الله ومثنى, في من لا يرى الشفعة بالجوار وقدم إلى الحاكم فأنكر: لم يحلف إنما هو اختيار وقد اختلف الناس فيه, قال القاضي: إنما هذا لأن يمين المنكر ها هنا على القطع والبت ومسائل الاجتهاد مظنونة فلا يقطع ببطلان مذهب المخالف, ويمكن أن يحمل كلام أحمد ها هنا على الورع لا على التحريم لأنه يحكم ببطلان مذهب المخالف ويجوز للمشتري الامتناع به من تسليم المبيع فيما بينه وبين الله تعالى. الشرط الثاني, أن يكون المبيع أرضًا لأنها التي تبقى على الدوام ويدوه ضررها وأما غيرها فينقسم قسمين أحدهما, تثبت فيه الشفعة تبعا للأرض وهو البناء والغراس يباع مع الأرض فإنه يؤخذ بالشفعة تبعا للأرض, بغير خلاف في المذهب ولا نعرف فيه بين من أثبت الشفعة خلافا وقد دل عليه (قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقضاؤه بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط) وهذا يدخل فيه البناء والأشجار القسم الثاني, ما لا تثبت فيه الشفعة تبعا ولا مفردا وهو الزرع والثمرة الظاهرة تباع مع الأرض فإنه لا يؤخذ بالشفعة مع الأصل وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك: يؤخذ ذلك بالشفعة مع أصوله لأنه متصل بما فيه الشفعة, فيثبت فيه الشفعة تبعا كالبناء والغراس ولنا أنه لا يدخل في البيع تبعا فلا يؤخذ بالشفعة, كقماش الدار وعكسه البناء والغراس وتحقيقه أن الشفعة بيع في الحقيقة, لكن الشارع جعل له سلطان الأخذ بغير رضي المشتري فإن بيع الشجر وفيه ثمرة غير ظاهرة كالطلع غير المؤبر, دخل في الشفعة لأنها تتبع في البيع فأشبهت الغراس في الأرض وأما ما بيع مفردا من الأرض فلا شفعة فيه, سواء كان مما ينقل كالحيوان والثياب والسفن والحجارة والزرع والثمار أو لا ينقل, كالبناء والغراس إذا بيع مفردا وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وروي عن الحسن, والثوري والأوزاعي والعنبري, وقتادة وربيعة وإسحاق: لا شفعة في المنقولات واختلف عن مالك وعطاء, فقالا مرة كذلك ومرة قالا: الشفعة في كل شيء حتى في الثوب قال ابن أبي موسى: وقد روى عن أبي عبد الله رواية أخرى, أن الشفعة واجبة فيما لا ينقسم كالحجارة والسيف والحيوان وما في معنى ذلك قال أبو الخطاب: وعن أحمد رواية أخرى أن الشفعة تجب في البناء والغراس, وإن بيع مفردا وهو قول مالك لعموم قوله عليه السلام: (الشفعة فيما لم يقسم) ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر وحصول الضرر بالشركة فيما لا ينقسم أبلغ منه فيما ينقسم ولأن ابن أبي مليكة روى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (الشفعة في كل شيء) ولنا أن قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) لا يتناول إلا ما ذكرناه, وإنما أراد ما لا ينقسم من الأرض بدليل قوله: " فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق " ولأن هذا مما لا يتباقى على الدوام, فلا تجب فيه الشفعة كصبرة الطعام وحديث ابن أبي مليكة مرسل لم يرد في الكتب الموثوق بها, والحكم في الغراف والدولاب والناعورة كالحكم في البناء فأما إن بيعت الشجرة مع قرارها من الأرض مفردة عما يتخللها من الأرض, فحكمها حكم ما لا ينقسم من العقار ولأن هذا مما لا ينقسم على ما سنذكره ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال لأن القرار تابع لها, فإذا لم تجب الشفعة فيها مفردة لم تجب في تبعها وإن بيعت حصة من علو دار مشترك نظرت فإن كان السقف الذي تحته لصاحب السفل فلا شفعة في العلو لأنه بناء مفرد, وإن كان لصاحب العلو فكذلك لأنه بناء منفرد لكونه لا أرض له فهو كما لو لم يكن السقف له ويحتمل ثبوت الشفعة لأن له قرارا, فهو كالسفل. الشرط الثالث أن يكون المبيع مما يمكن قسمته فأما ما لا يمكن قسمته من العقار, كالحمام الصغير والرحى الصغيرة والعضادة, والطريق الضيقة والعراص الضيقة فعن أحمد فيها روايتان إحداهما, لا شفعة فيه وبه قال يحيى بن سعيد وربيعة والشافعي والثانية, فيها الشفعة وهو قول أبي حنيفة والثوري وابن سريج وعن مالك كالروايتين ووجه هذا عموم قوله عليه السلام (الشفعة فيما لم يقسم) وسائر الألفاظ العامة, ولأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر المشاركة والضرر في هذا النوع أكثر لأنه يتأبد ضرره والأول ظاهر المذهب لما روى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة) والمنقبة: الطريق الضيق رواه أبو الخطاب في " رءوس المسائل " وروى عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل ولأن إثبات الشفعة في هذا يضر بالبائع لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة, وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع فيتضرر البائع وقد يمتنع البيع, فتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى نفيها ويمكن أن يقال: إن الشفعة إنما تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة لما يحتاج إليه من إحداث المرافق الخاصة ولا يوجد هذا فيما لا ينقسم وقولهم: إن الضرر ها هنا أكثر لتأبده قلنا: إلا أن الضرر في محل الوفاق من غير جنس هذا الضرر, وهو ضرر الحاجة إلى إحداث المرافق الخاصة فلا يمكن التعدية وفي الشفعة ها هنا ضرر غير موجود في محل الوفاق, وهو ما ذكرناه فتعذر الإلحاق فأما ما أمكن قسمته مما ذكرنا كالحمام الكبير الواسع البيوت, بحيث إذا قسم لم يستضر بالقسمة وأمكن الانتفاع به حماما فإن الشفعة تجب فيه وكذلك البئر والدور والعضائد, متى أمكن أن يحصل من ذلك شيئان كالبئر ينقسم بئرين يرتقي الماء منهما وجبت الشفعة وكذلك إن كان مع البئر بياض أرض, بحيث يحصل البئر في أحد النصيبين وجبت الشفعة أيضا لأنه تمكن القسمة وهكذا الرحى إن كان لها حصن يمكن قسمته بحيث يحصل الحجران في أحد القسمين, أو كان فيها أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كل واحد منهما بحجرين وجبت الشفعة, وإن لم يمكن إلا أن يحصل لكل واحد منهما ما لم يتمكن من إبقائها رحى لم تجب الشفعة فأما الطريق فإن الدار إذا بيعت ولها طريق في شارع أو درب نافذ, فلا شفعة في تلك الدار ولا في الطريق لأنه لا شركة لأحد في ذلك وإن كان الطريق في درب غير نافذ ولا طريق للدار سوى تلك الطريق فلا شفعة أيضا لأن إثبات ذلك يضر بالمشتري, لأن الدار تبقى لا طريق لها وإن كان للدار باب آخر يستطرق منه أو كان لها موضع يفتح منه باب لها إلى طريق نافذ, نظرنا في طريق المبيع من الدار فإن كان ممرا لا تمكن قسمته فلا شفعة فيه, وإن كان تمكن قسمته وجبت الشفعة فيه لأنه أرض مشتركة تحتمل القسمة فوجبت فيه الشفعة كغير الطريق, ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال لأن الضرر يلحق المشتري بتحويل الطريق إلى مكان آخر مع ما في الأخذ بالشفعة من تفريق صفقة المشتري وأخذ بعض المبيع من العقار دون بعض, فلم يجز كما لو كان الشريك في الطريق شريكا في الدار فأراد أخذ الطريق وحدها والقول في دهليز الجار وصحنه كالقول في الطريق المملوك وإن كان نصيب المشتري من الطريق أكثر من حاجته, فذكر القاضي أن الشفعة تجب في الزائد بكل حال لوجود المقتضي وعدم المانع والصحيح أنه لا شفعة فيه لأن في ثبوتها تبعيض صفقة المشتري ولا يخلو من الضرر. الشرط الرابع, أن يكون الشقص منتقلا بعوض وأما المنتقل بغير عوض كالهبة بغير ثواب, والصدقة والوصية والإرث, فلا شفعة فيه في قول عامة أهل العلم منهم مالك والشافعي, وأصحاب الرأي وحكي عن مالك رواية أخرى في المنتقل بهبة أو صدقة أن فيه الشفعة ويأخذه الشفيع بقيمته وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى لأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر الشركة, وهذا موجود في الشركة كيفما كان والضرر اللاحق بالمتهب دون ضرر المشتري لأن إقدام المشتري على شراء الشقص وبذله ماله فيه, دليل حاجته إليه فانتزاعه منه أعظم ضررا من أخذه ممن لم يوجد منه دليل الحاجة إليه ولنا أنه انتقل بغير عوض, أشبه الميراث ولأن محل الوفاق هو البيع والخبر ورد فيه, وليس غيره في معناه لأن الشفيع يأخذه من المشتري بمثل السبب الذي انتقل به إليه ولا يمكن هذا في غيره ولأن الشفيع يأخذ الشقص بثمنه, لا بقيمته وفي غيره يأخذه بقيمته فافترقا فأما المنتقل بعوض فينقسم قسمين أحدهما, ما عوضه المال كالبيع فهذا فيه الشفعة بغير خلاف, وهو في حديث جابر فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به وكذلك كل عقد جرى مجرى البيع كالصلح بمعنى البيع, والصلح عن الجنايات الموجبة للمال والهبة المشروط فيها ثواب معلوم لأن ذلك بيع ثبتت فيه أحكام البيع وهذا منها وبه يقول مالك, والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: لا تثبت الشفعة في الهبة المشروط فيها ثواب حتى يتقابضا لأن الهبة لا تثبت إلا بالقبض, فأشبهت البيع بشرط الخيار ولنا أنه يملكها بعوض هو مال فلم يفتقر إلى القبض في استحقاق الشفعة, كالبيع ولا يصح ما قالوه من اعتبار لفظ الهبة لأن العوض صرف اللفظ عن مقتضاه وجعله عبارة عن البيع, خاصة عندهم فإنه ينعقد بها النكاح الذي لا تصح الهبة فيه بالاتفاق القسم الثاني ما انتقل بعوض غير المال, نحو أن يجعل الشقص مهرا أو عوضا في الخلع أو في الصلح عن دم العمد, فظاهر كلام الخرقي أنه لا شفعة فيه لأنه لم يتعرض في جميع مسائله لغير البيع وهذا قول أبي بكر وبه قال الحسن والشعبي وأبو ثور, وأصحاب الرأي حكاه عنهم ابن المنذر واختاره وقال ابن حامد: تجب فيه الشفعة وبه قال ابن شبرمة, والحارث العكلي ومالك وابن أبي ليلى, والشافعي ثم اختلفوا بم يأخذه؟ فقال ابن شبرمة وابن أبي ليلى: يأخذ الشقص بقيمته قال القاضي: هو قياس قول ابن حامد لأننا لو أوجبنا مهر المثل لقومنا البضع على الأجانب, وأضررنا بالشفيع لأن مهر المثل يتفاوت مع المسمى لتسامح الناس فيه في العادة بخلاف البيع وقال الشريف أبو جعفر, قال ابن حامد: إن كان الشقص صداقا أو عوضا في خلع أو متعة في طلاق, أخذه الشفيع بمهر المرأة وهو قول العكلى والشافعي لأنه ملك الشقص ببدل ليس له مثل, فيجب الرجوع إلى قيمة البدل في الأخذ بالشفعة كما لو باعه بعوض واحتجوا على أخذه بالشفعة بأنه عقار مملوك بعقد معاوضة, فأشبه البيع ولنا أنه مملوك بغير مال أشبه الموهوب والموروث, ولأنه يمتنع أخذه بمهر المثل لما ذكره مالك وبالقيمة لأنها ليست عوض الشقص فلا يجوز الأخذ بها, كالموروث فيتعذر أخذه ولأنه ليس له عوض يمكن الأخذ به, فأشبه الموهوب والموروث وفارق البيع فإنه أمكن الأخذ بعوضه فإن قلنا: إنه يؤخذ بالشفعة فطلق الزوج قبل الدخول, بعد عفو الشفيع رجع بنصف ما أصدقها لأنه موجود في يدها بصفته وإن طلقها بعد أخذ الشفيع, رجع بنصف قيمته لأن ملكها زال عنه فهو كما لو باعته وإن طلق قبل علم الشفيع, ثم علم ففيه وجهان أحدهما حق الشفيع مقدم لأن حقه أسبق, لأنه يثبت بالنكاح وحق الزوج بالطلاق والثاني حق الزوج أولى لأنه ثبت بالنص والإجماع, والشفعة ها هنا لا نص فيها ولا إجماع فأما إن عفا الشفيع ثم طلق الزوج فرجع في نصف الشقص, لم يستحق الشفيع الأخذ منه وكذلك إن جاء الفسخ من قبل المرأة فرجع الشقص كله إلى الزوج لم يستحق الشفيع أخذه لأنه عاد إلى المالك لزوال العقد, فلم يستحق به الشفيع كالرد بالعيب وكذلك كل فسخ يرجع به الشقص إلى العاقد كرده بعيب, أو مقايلة أو اختلاف المتبايعين أو رده لغبن وقد ذكرنا في الإقالة رواية أخرى, أنها بيع فتثبت فيها الشفعة وهو قول أبي حنيفة فعلى هذا لو لم يعلم الشفيع حتى تقايلا فله أن يأخذ من أيهما شاء وإن عفا عن الشفعة في البيع, ثم تقايلا فله الأخذ بها. وإذا جنى جنايتين عمدا وخطأ, فصالحه منهما على شقص فالشفعة في نصف الشقص دون باقيه وبه قال أبو يوسف ومحمد وهذا على الرواية التي نقول فيها: إن موجب العمد القصاص عينا وإن قلنا: موجبه أحد شيئين وجبت الشفعة في الجميع وقال أبو حنيفة: لا شفعة في الجميع لأن في الأخذ بها تبعيض الصفقة على المشتري ولنا, أن ما قابل الخطأ عوض عن مال فوجبت فيه الشفعة كما لو انفرد, ولأن الصفقة جمعت ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب فيه فوجبت فيما تجب فيه دون الآخر كما لو اشترى شقصا وسيفا وبهذا الأصل يبطل ما ذكره وقول أبي حنيفة أقيس لأن في الشفعة تبعيض الشقص على المشتري, وربما لا يبقى منه إلا ما لا نفع فيه فأشبه ما لو أراد أحد الشفيعين أخذ بعضه مع عفو صاحبه بخلاف مسألة الشقص والسيف وأما إذا قلنا: إن الواجب أحد شيئين فباختياره الصلح سقط القصاص, وتعينت الدية فكان الجميع عوضا عن المال. وبيع المريض كبيع الصحيح في الصحة, وثبوت الشفعة وسائر الأحكام إذا باع بثمن المثل, سواء كان لوارث أو غير وارث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: لا يصح بيع المريض مرض الموت لوارثه لأنه محجور عليه في حقه, فلم يصح بيعه كالصبي ولنا أنه إنما حجر عليه في التبرع في حقه, فلم يمنع الصحة فيما سواه كالأجنبي إذا لم يزد على التبرع بالثلث وذلك لأن الحجر في شيء لا يمنع صحة غيره كما أن الحجر على المرتهن في الرهن لا يمنع التصرف في غيره, والحجر على المفلس في ماله لا يمنع التصرف في ذمته فأما بيعه بالمحاباة فلا يخلو إما أن يكون لوارث أو لغيره فإن كان لوارث, بطلت المحاباة لأنها في المرض بمنزلة الوصية والوصية لوارث لا تجوز ويبطل البيع في قدر المحاباة من المبيع وهل يصح فيما عداه؟ على ثلاثة أوجه أحدها, لا يصح لأن المشتري بذل الثمن في كل المبيع فلم يصح في بعضه كما لو قال: بعتك هذا الثوب بعشرة فقال: قبلت البيع في نصفه أو قال: قبلته بخمسة أو قال: قبلت نصفه بخمسة ولأنه لم يمكن تصحيح البيع على الوجه الذي تواجبا عليه, فلم يصح كتفريق الصفقة الثاني أنه يبطل البيع في قدر المحاباة ويصح فيما يقابل الثمن المسمى, وللمشترى الخيار بين الأخذ والفسخ لأن الصفقة تفرقت عليه وللشفيع أخذ ما صح البيع فيه وإنما قلنا بالصحة لأن البطلان إنما جاء من المحاباة فاختص بما قابلها الوجه الثالث, أنه يصح في الجميع ويقف على إجازة الورثة لأن الوصية للوارث صحيحة, في أصح الروايتين وتقف على إجازة الورثة فكذلك المحاباة له, فإن أجازوا المحاباة صح البيع في الجميع ولا خيار للمشتري, ويملك الشفيع الأخذ به لأنه يأخذ بالثمن وإن ردوا بطل البيع في قدر المحاباة, وصح فيما بقي ولا يملك الشفيع الأخذ قبل إجازة الورثة أو ردهم لأن حقهم متعلق بالمبيع فلم يملك إبطاله وله أخذ ما صح البيع فيه وإن اختار المشتري الرد في هذه الصورة, وفي التي قبلها واختار الشفيع الأخذ بالشفعة قدم الشفيع لأنه لا ضرر على المشتري, ويجري مجرى المعيب إذا رضيه الشفيع بعيبه القسم الثاني إذا كان المشتري أجنبيا والشفيع أجنبي, فإن لم تزد المحاباة على الثلث صح البيع وللشفيع الأخذ بها بذلك الثمن لأن البيع حصل به, فلا يمنع منها كون المبيع مسترخصا وإن زادت على الثلث فالحكم فيه حكم أصل المحاباة في حق الوارث وإن كان الشفيع وارثا, ففيه وجهان أحدهما له الأخذ بالشفعة لأن المحاباة وقعت لغيره فلم يمنع منها تمكن الوارث من أخذها, كما لو وهب غريم وارثه مالا فأخذه الوارث والثاني يصح البيع, ولا تجب الشفعة وهو قول أصحاب أبي حنيفة لأننا لو أثبتناها جعلنا للموروث سبيلا إلى إثبات حق لوارثه في المحاباة ويفارق الهبة لغريم الوارث لأن استحقاق الوارث الأخذ بدينه لا من جهة الهبة وهذا استحقاقه بالبيع الحاصل من موروثه, فافترقا ولأصحاب الشافعي في هذا خمسة أوجه وجهان كهذين والثالث أن البيع باطل من أصله لإفضائه إلى إيصال المحاباة إلى الوارث وهذا فاسد لأن الشفعة فرع للبيع ولا يبطل الأصل ببطلان فرع له وعلى الوجه الأول, ما حصلت للوارث بالمحاباة إنما حصلت لغيره ووصلت إليه بجهة الأخذ من المشتري, فأشبه هبة غريم الوارث الوجه الرابع أن للشفيع أن يأخذ بقدر ما عدا المحاباة بقدره من الثمن بمنزلة هبة المقابل للمحاباة لأن المحاباة بالنصف مثلا هبة للنصف وهذا لا يصح لأنه لو كان بمنزلة هبة النصف, ما كان للشفيع الأجنبي أخذ الكل لأن الموهوب لا شفعة فيه الخامس أن البيع يبطل في قدر المحاباة, وهذا فاسد لأنها محاباة لأجنبى بما دون الثلث فلا تبطل كما لو لم يكن الشقص مشفوعا. ويملك الشفيع الشقص بأخذه بكل لفظ يدل على أخذه, بأن يقول: قد أخذته بالثمن أو تملكته بالثمن أو نحو ذلك إذا كان الثمن والشقص معلومين ولا يفتقر إلى حكم حاكم وبهذا قال الشافعي وقال القاضي, وأبو الخطاب: يملكه بالمطالبة لأن البيع السابق سبب فإذا انضمت إليه المطالبة كان كالإيجاب في البيع انضم إليه القبول وقال أبو حنيفة: يحصل بحكم الحاكم لأنه نقل للملك عن مالكه إلى غيره قهرا فافتقر إلى حكم الحاكم, كأخذ دينه ولنا أنه حق ثبت بالنص والإجماع فلم يفتقر إلى حاكم, كالرد بالعيب وما ذكروه ينتقض بهذا الأصل وبأخذ الزوج نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول ولأنه مال يتملكه قهرا, فملكه بالأخذ كالغنائم والمباحات وملكه باللفظ الدال على الأخذ لأنه بيع في الحقيقة, لكن الشفيع يستقل به فانتقل باللفظ الدال عليه وقولهم: يملك بالمطالبة بمجردها لا يصح لأنه لو ملك بها لما سقطت الشفعة بالعفو بعد المطالبة ولوجب أنه إذا كان له شفيعان فطلبا الشفعة, ثم ترك أحدهما أن يكون للآخر أخذ قدر نصيبه ولا يملك أخذ نصيب صاحبه إذا ثبت هذا, فإنه إذا قال: قد أخذت الشقص بالثمن الذي تم عليه العقد وهو عالم بقدره وبالمبيع صح الأخذ, وملك الشقص ولا خيار له ولا للمشتري لأن الشقص يؤخذ قهرا, والمقهور لا خيار له والآخذ قهرا لا خيار له أيضا كمسترجع المبيع لعيب في ثمنه, أو الثمن لعيب في المبيع وإن كان الثمن مجهولا أو الشقص لم يملكه بذلك لأنه بيع في الحقيقة فيعتبر العلم بالعوضين, كسائر البيوع وله المطالبة بالشفعة ثم يتعرف مقدار الثمن من المشتري أو من غيره, والمبيع فيأخذه بثمنه ويحتمل أن له الأخذ مع جهالة الشقص بناء على بيع الغائب. وإذا أراد الشفيع أخذ الشقص, وكان في يد المشتري أخذه منه وإن كان في يد البائع, أخذه منه وكان كأخذه من المشتري هذا قياس المذهب وهو قول أبي حنيفة لأن العقد يلزم في بيع العقار قبل قبضه ويدخل المبيع في ملك المشتري وضمانه ويجوز له التصرف فيه بنفس العقد, فصار كما لو قبضه المشتري وقال القاضي: ليس له أخذه من البائع ويجبر الحاكم المشتري على قبضه ثم يأخذه الشفيع منه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الشفيع يشتري الشقص من المشتري, فلا يأخذه من غيره وبنوا ذلك على أن المبيع لا يتم إلا بالقبض فإذا فات القبض بطل العقد وسقطت الشفعة. وإذا أقر البائع بالبيع, وأنكر المشتري ففيه وجهان أحدهما للشفيع الأخذ بالشفعة وهو قول أبي حنيفة, والمزني والثاني ليس له الأخذ بها ونصره الشريف أبو جعفر في " مسائله " وهو قول مالك وابن شريح لأن الشفعة فرع للبيع, ولم يثبت فلا يثبت فرعه ولأن الشفيع إنما يأخذ الشقص من المشتري وإذا أنكر البيع لم يمكن الأخذ منه ووجه الأول, أن البائع أقر بحقين حق للشفيع وحق للمشتري فإذا سقط حق المشتري بإنكاره, ثبت حق الشفيع كما لو أقر بدار لرجلين فأنكر أحدهما, ولأنه أقر للشفيع أنه مستحق لأخذ هذه الدار والشفيع يدعي ذلك فوجب قبوله, كما لو أقر أنها ملكه فعلى هذا يقبض الشفيع من البائع ويسلم إليه الثمن ويكون درك الشفيع على البائع, لأن القبض منه ولم يثبت الشراء في حق المشتري وليس للشفيع ولا للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع في حقه وتكون العهدة عليه لأن مقصود البائع الثمن, وقد حصل من الشفيع ومقصود الشفيع أخذ الشقص وضمان العهدة وقد حصل من البائع, فلا فائدة في المحاكمة فإن قيل: أليس لو ادعى على رجل دينا فقال آخر: أنا أدفع إليك الدين الذي تدعيه ولا تخاصمه لا يلزمه قبوله, فهل لا قلتم ها هنا كذلك؟ قلنا: في الدين عليه منة في قبوله من غير غريمه وها هنا بخلافه ولأن البائع يدعي أن الثمن الذي يدفعه الشفيع حق للمشتري عوضا عن هذا المبيع, فصار كالنائب عن المشتري في دفع الثمن والبائع كالنائب عنه في دفع الشقص بخلاف الدين, فإن كان البائع مقرا بقبض الثمن من المشتري بقي الثمن الذي على الشفيع لا يدعيه أحد لأن البائع يقول: هو للمشتري و المشتري يقول: لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه أحدها أن يقال للمشتري: إما أن تقبضه, وإما أن تبرئ منه والثاني يأخذه الحاكم عنده والثالث يبقى في ذمة الشفيع وفي جميع ذلك متى ادعاه البائع أو المشتري, دفع إليه لأنه لأحدهما وإن تداعياه جميعا فأقر المشتري بالبيع وأنكر البائع قبض الثمن, فهو للمشتري لأن البائع قد أقر له به ولأن البائع إذا أنكر القبض لم يكن مدعيا لهذا الثمن لأن البائع لا يستحق على الشفيع ثمنا, إنما يستحقه على المشتري وقد أقر بالقبض منه وأما المشتري فإنه يدعيه, وقد أقر له باستحقاقه فوجب دفعه إليه.
|